تقارير خاصة  ::   أكثر من سبعين اسطوانة محمّلة بمواد حارقة تسقط على مدينة درايا-آب 2015


تقرير موجز:

أكثر من سبعين اسطوانة محمّلة بمواد حارقة تسقط على مدينة درايا.

مركز توثيق الانتهاكات في سوريا

آب 2015

مصدر صورة الغلاف: الدفاع المدني السوري/ تصوير الناشط مهند أبو الزين، الصورة توضّح المادة المستخرجة من إحدى الاسطوانات التي لم تنفجر.

 

شهدت مدينة داريا في ريف دمشق (8 كم غرب العاصمة دمشق، والتي ما يزال عدد قاطنيها أكثر من عشرة آلاف مدني) خلال الأيام الماضية ارتفاعاً حاداً في وتيرة القصف العشوائي التي قامت به قوات الحكومة السوريّة بعد العمليات العسكرية التي قامت بها الكتائب التابعة للمعارضة المسلّحة في عمليات أسموها (لهيب داريا) وذلك بتاريخ 2/8/2015 استطاعوا من خلالها السيطرة على بعض المباني القريبة من مطار المزّة العسكري. وعلى إثر ذلك ألقت القوات الحكومية مئات البراميل المتفجّرة التي تتصف بعشوائيتها وقوتها التدميرية الهائلة إضافة إلى عشرات صواريخ أرض-أرض (صواريخ الفيل) التي لا يمكن توجيها بشكل دقيق وعشرات الغارات الأخرى بواسطة طيران الميغ الحربي والعديد من الألغام البحرية وعشرات الأسطوانات [1] المحشّوة بمواد حارقة والتي سقطت بشكل عشوائي على المباني السكنية مخلّفة حرائق كبيرة كان أكبرها على أحد مستودعات الخشب في المدينة، وقد تسبب ذلك القصف بتدمير عشرات المنازل التي تعود للسكان المدنيين. وقد وردت أخبار أخرى إلى مركز توثيق الانتهاكات في سوريا وذلك بتاريخ 13/8/2015 عن استخدام القوات الحكومية لمواد سامّة على أحد جبهات القتال وقع على إثرها عدد من المصابين من قوات المعارضة المسلّحة، وقد ذكر جميع الشهود الذين أجريت معهم المقابلات إضافة إلى الصفحة الرسمية لمجلس مدينة داريا بحدوث هجوم بمواد سامّة بتاريخ 13/8/2015 بواسطة قنابل يدوية صغيرة تشبه الغازات المسيلة للدموع ولكنّها تسبب فقداناً للذاكرة لفترة وجيزة وهلوسة وارتخاء في عضلات الجسم. إلاّ أنّ المركز لم يستطع إلى الآن الوصول إلى الشهود المباشرين بسبب شراسة الاشتباكات وسوف يصدر المركز بياناً مستقلاً في حال الوصول إلى أي معلومات جديدة بهذا الشأن.

الناشط مهند أبو الزين (28 عام) أفاد لمركز توثيق الانتهاكات في سوريا أنّ قوات الحكومة السورية تعمّدت حصار مدينة داريا بشكل كامل منذ تاريخ 8/11/2012 وقد كانت المدينة تتعرض للقصف بشكل شبه يومي ولكن منذ بداية شهر آب 2015 سقطت على مدينة داريا مئات البراميل المتفجّرة خاصة بعد عودة الاشتباكات العسكرية إلى المدينة من جديد، وأضاف:

"الطائرات التي تقصف المدينة تأتي من الجنوب ونعتقد أنّها قادمة من (مطار بلي) العسكري فهو المطار المختّص بالحوامات، وقد كان الاستخدام الأول لمادة النابالم بتاريخ 11/8/2015 في حوالي الساعة 12:45 ظهراً حيث ألقت الطائرة الأولى أكثر من (15) أسطوانة سقطت جميعها في إحدى الساحات الترابية في المدينة بالقرب من أحد معامل الأخشاب. أمّا الهجوم الثاني فقد كان الأعنف ووقع بعد الهجوم الأول بحوالي ساعتين وسقطت جميع الاسطوانات في وسط المدينة وأدت إلى إصابة سبع مدنيين إصابات متوسطة واحتراق أكثر من (15) منزل وظلت الحرائق مشتعلة حتى اليوم الثاني وكان مجموع الاسطوانات التي سقطت في ذلك اليوم أكثر من 30 اسطوانة. وقد تكرر المشهد مرة أخرى في يوم الجمعة 14/8/2015 حيث قام الطيران الحربي بقصف المدينة ثلاث مرات باسطوانات محمّلة بمادة النابالم الحارق فقد كان الهجوم الأول في حوالي الساعة 12:30 حيث أسقطت الطائرة (15) اسطوانات فوق مناطق مدمّرة سابقاً ونتج عنه اشتعال حرائق في مباني قديمة، أمّا الهجوم الثاني فقد كان في حوالي الساعة 4:15 دقيقة حيث اسقطت الطائرات الحوامة أيضاً (15) اسطوانة محمّلة بمادة النابالم استهدف وسط المدينة مجدداً تبع بهجوم ثالث بعد عشر دقائق وعلى بعد حوالي ثلاثين متراً من الهجوم الذي سبقه (الشارع الوسطاني) بخمسة عشر اسطوانة أخرى. وبلغت أعداد الاسطوانات جميعها أكثر من (45) إسطوانة في هذا اليوم وبلغ مجموع عدد الاسطوانات (75) اسطوانة."

وقد تطابقت شهادة الناشط مهند مع شهادتين من نشطاء آخرين كان أحدهم الناشط محمد شحادة 37 عام (أبو يامن) عضو المكتب الإعلامي للمجلس المحلّي لمدينة داريا حيث قال في شهادته:

"قامت طائرات الهلكوبتر بتاريخ 11 و 14 آب 2015 باستهداف مدينة داريا بعشرات الاسطوانات المملوئة بمادة النابالم الحارقة، وللوهلة الأولى ظننا أنّها براميل متفجرة ولكن بحجم أصغر، ليتبين لاحقاً أن اسطوانات الغاز المنزلية قد تمّ حشوها بمواد حارقة، كان يلقيها الطيران الحربي على دفعات، بعضها لم ينفجر واقد استطعنا تصويرها وفكّها ومعرفة الحشوة التي ملئت بها والتي كانت عبارة عن مادة النابالم الحارقة وحشوة قماشية، ونعتقد أن هذا الهجوم وقع نتيجة معارك (لهيب داريا) حيث تكبّدت قوات النظام خسائر كبيرة في الأرواح."

أمّا الطبيب (أمجد أبو جمال) أحد كوادر المشفى الميداني فقال لمركز توثيق الانتهاكات في سوريا أنّ معظم الإصابات التي وردت إلينا كانت في الأماكن المكشوفة من الجسم (مثل اليدين) وكانت جميعها حروق من الدرجة الأولى وتبين لنا أنّها نتيجة استخدام مواد حارقة نعتقد أنّها مادة النابالم، وتمّ التعامل معها جميعاً بحسب الإمكانيات المتاحة في المشفى."

- هذه ليست المرة الأولى التي تستخدم فيها القوات الحكومية المواد الحارقة ومنها "مادة النابالم"، فقد سبق واستخدامها في مدينة أورم الكبرى في آب 2013 أعقبه بهجوم آخر على مدينة داعل في ذات الشهر، وقد أصدر المركز تقريراً في هذا الصدد وثّق فيه سقوط أكثر من (38) من تلاميذ المدرسة التي تمّ استهدافها في أروم الكبرى إضافة إلى مقتل عائلة كاملة في مدينة داعل في محافظة درعا بسبب مادة النابالم الحارقة وقد أدت الهجمات إلى سقوط العشرات من المصابين الذين أصيبوا بحروق مروّعة.

مقطع فيديو خاص بمركز توثيق الانتهاكات في سوريا من تصوير الناشط مهند أبو الزين الذي قال فيما سبق بأنّ الاسطوانة كانت عبارة عن اسطوانة غاز نظامية (تستعمل في سوريا للطهي المنزلي) ولكنّها مزودة بمروحية صغيرة حتى تساعدها على السقوط بشكل عمودي، وأفاد أبو الزين للمركز أنّ الفيديو تم تصويره بتاريخ 12/8/2015 أي بعد يوم واحد من الهجمات، وذلك بعد أنّ تمّ فك الصاعق الموجود في رأس الاسطوانة ومن ثم تم فك ما يشبه الغطاء للاسطوانة حيث كانت رائحة البنزين واضحة جداً وذلك بحسب أبو الزين، وأضاف:

"بعد ذلك قمنا بإخراج الحشوة التي تمّ ملئ الاسطوانة بها، وحركتها تشبه مادة (الجل أو السيلكيون المتحركة) التي تدفقت من الاسطوانة. ولم تكن هنالك أيّة أرقام تسلسلية أو رموز على الاسطوانة ترمز لأيّ شيء لكونها كانت اسطوانة للطهي المنزلي."

رجاءً انظر هذا الرابط لمشاهدة الفيديو كاملاً.

خاتمة ورأي قانوني:

وفقا لتقرير للأمين العام للأمم المتحدة لعام 1972 ر، فإن الأسلحة المحرقة هي وسيلة قوية للدمار والتدمير. في الواقع، ووفقاً للتقرير ذاته، فإنه "فيما عدا الأسلحة النووية، وربما بعض الأسلحة البيولوجية والكيميائية المعينة، فلا توجد هناك أسلحة اخرى تحدث مثل هذه القوة التدميرية في أيدي القادة العسكريين." وقد ثبت منذ الحرب العالمية الثانية أن "استخدام هذه الأسلحة ضد أهداف مدنية ذو عواقب وحشية وقاسية لكافة المجتمع" الأمم المتحدة، تقرير الأمين العام، 1973، النابالم وغيره من الأسلحة المحرقة وجميع النواحي المتعلقة باحتمال استعمالها، (وثيقة الأمم المتحدة رقم (آ/8803 ,مسرد.1) ، تاريخ 11/10/1973)، فقرة 177). كما أن آثاره مدمرة لدرجة انها "قابلة لأن يوظف استخدامها "كسلاح" دمار شامل". تعد الأسلحة المحرقة بحكم طبيعتها، وبغض النظر عن ظروف استخدامها "سواء في أرض المعركة أو في المناطق الحضرية، أو بغارات جوية أو بأسلحة اللهب" مفرطة الضرر وتسبب آلاماً لا داعي لها للأفراد على وجه الخصوص، بالإضافة إلى حالات الوفاة، من خلال الأضرار التي لا يمكن اصلاحها لجسم الإنسان والبيئة (فقرة 189). كما أن الآثار التي لا تميّز بين الأهداف هي احد السمات الأساسية الاخرى المتعلقة باستخدام هذه الأسلحة في الواقع. وقد صوتت سوريا لصالح قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة، رقم 2932 لعام 1972 الذي أقرت فيه تسعة وتسعين دولة بالطابع العشوائي للأسلحة الحارقة، وآثارها في التسبب في معاناة لا داعي لها، واستنكرت استخدامها في جميع النزاعات الدولية و غير الدولية (قرار الجمعبة العامة رقم 2932 (الدورة 27)، قرار الجمعية العامة، النزاع الكامل والشامل للأسلحة، (أ)، 29/11/1972). ويؤكد على ذلك البروتوكول الثالث الملحق باتفاقية حظر أو تقييد استعمال أسلحة تقليدية معينة يمكن اعتبارها مفرطة الضرر أو عشوائية الأثر (جنيف، 10 أكتوبر (1980 ، الذي لم تنضم إليه سورية. إلا إن لائحة اللجنة الدولية للصليب الأحمر لقواعد القانون الدولي الإنساني العرفي تثبت بأن تحريم استعمال الأسلحة المحرقة بما في ذلك النابالم، هو جزء من القانون الدولي العرفي، وينطبق على كل النزاعات المسلحة غير الدولية، كما هي الحال في سوريا (اللجنة الدولية للصليب الأحمر، القانون الدولي الإنساني العرفي، ج.م. هانكرتس، ولويز دازول بيك، منشورات كامبريدج الجامعية، كامبرديج، ص. 3، 2005، القاعدة رقم 70، 84، 85، 156 و 177).

تبين الشهادات بوضوح أن النظام السوري، بطيارنه الذي يحلق وحيداً في منطقة داريا، قد استهدف المباني المدنية والمدنيين. في أماكن متفرقة من داريا، وذلك بالقاء اسطوانات تشبه اسطوانات الغار المنزلي التي تم تحويلها إلى قنابل وحشوها بمواد محرقة. تبين جميع الشهادات التي تمكن مركز توثيق الانتهاكات من جمعها بأن كافة الإصابات قد تأثرت بحروق على درجات متفاوته.

إن تنفيذ الهجمات العشوائية على المدنيين، واستخدام الأسلحة المحرقة التي تسبب إصابات زائدة ومعاناة غير ضرورية تشكل، كل بحد ذاتها، انتهاكا جسيماً للقانون الإنساني الدولي، وفقا للقانون الإنساني الدولي العرفي. وهذا بدوره يشكل جريمة حرب.

وعلاوة على ذلك، فإن هذه الهجمات هي جزء من النمط الذي اتبعته قوات النظام، عمداً وبشكل ممنهج، في استهداف المدنيين واللجوء إلى الهجمات العشوائية ضد العديد من مدن الغوطتين الغربية والشرقية، بما في ذلك داريا، والتي ترزح تحت الحصار منذ سنتين. إن استخدام النظام للأسلحة المحرقة التي تم تصميمها لتتسبب في معاناة لا داعي لها، يجعل من هذه الهجمات جريمة ضد الإنسانية كما تم تعريفها في المادة 7 من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، وفي القانون الدولي العرفي. 

بتاريخ 7 آب/أغسطس 2015 أصدر مجلس الأمن التابع للأمم المتحددة قراره رقم 2235 أنشأ بموجبه آلية تحقيق مشتركة بين منظمة حظر الأسلحة الكيماوية والأمم المتحدة لتحديد المرتكبين والمنظمين والممولين في استخدام المواد الكيماوية كأسلحة في سورية، بما في ذلك غاز الكلور. ولكن في رسالة تحدي واضحة يستمر النظام السوري بدون رادع باستهداف المدنيين عمداً، واستخدام صنوف متنوعة من الأسلحة المحرمة بما في ذلك الأسحلة المحرقة، كما تم توثيق ذلك في داريا بتاريخ 11/8/2015. يقوم النظام بفعل ذلك، لأنه يشعر بأنه على الرغم من هذا التحرك المتواضع للمجتمع الدولي، فإنه سيفلت في كل حال من العقاب. يجب على هذه الحالة من الإفلات من العقاب أن تتوقف. يجب على المجتمع الدولي أن يرسل رسالة واضحة بإحداث آليات محاسبة فعالة وذات مصداقية لمحاكمة ومعاقبة كافة مرتكبي جرائم الحرب والجرائم ضد الانسانية في سوريا.

الدفاع المدني السوري/ المادة التي تم استخراجها من إحدى الاسطوانات التي لم تنفجر، تصوير مهند أبو الزين.

الدفاع المدني السوري/ صورة لإحدى الاسطوانات التي لم تنفجر. تصوير مهند أبو الزين.

الدفاع المدني السوري/ صور لبعض الحرائق التي أعقبت قصف داريا بالمادة الحارقة.

الدفاع المدني السوري/ صور لبعض الحرائق التي أعقبت قصف داريا بالمادة الحارقة.


 وهي عبارة عن (جرّات غاز منزلية) تستخدم في سوريا عادة للطهي المنزلي، إلا أن قوات الحكومة السورية ومن خلال المصانع الحربية بدأت باستعمالها لأغراض عسكرية حيث يتم حشوها بمواد متفجرة وشظايا في المناطق الشمالية أمّا في حالة مدينة داريا فقد تم حشوها بمادة النابالم الحارقة وبعض قطع القماش. وبالإضافة إلى الحشوة يتم تركيب فرّاشات (مراوح صغيرة) من أجل المساعدة على  السقوط بشكل عمودي. [1]



-------------------------------------------------------------------
لأية ملاحظات أو أسئلة يمكن التواصل معنا عبر بريدنا الالكتروني
editor@vdc-sy.info

للاطلاع على تقاريرنا السابقة باللغة العربية
http://www.vdc-sy.org/index.php/ar/reports

للاطلاع على تقاريرنا السابقة باللغة الإنكليزية
http://www.vdc-sy.info/index.php/en/reports/