شهادات من الضحايا  ::   أطفال في فروع المخابرات العسكرية


أطفال في فروع المخابرات العسكرية

شهادة الطفل معاذ عبد الرحمن في سجون المخابرات والشرطة العسكرية

مركز توثيق الانتهاكات في سوريا

 تشرين الأول / أكتوبر 2013


x

مقدمة:

لم يتوان النظام السوري وأجهزته الأمنية المختلفة عن اعتقال الأطفال وزجهم في سجونه وتعريضهم لكافة المعاملات القاسية والمسيئة،
حيث قام مركز توثيق الإنتهاكات بتوثيق 997 حالة لإعتقال ذكور أطفال في سجون النظام و 38 حالة اعتقال اناث أطفال، وتم توثيق حالات اعدام أو موت تحت التعذيب لمعتقلين أطفال داخل سجون النظام ومراكز احتجازه بحق 73 طفلا و طفلتين.

 مثل حالة الشهيدين حمزة علي الخطيب وثامر محمد الشرعي و الشهيدة الطفلة عفاف محمود السراقبي

نورد هنا مقابلة مع أحد الأطفال الذين لم يشفع لهم صغر سنهم وطفولتهم من التعرض لأقسى أنواع التعذيب والإنتهاكات والمحاكمة أمام محكمة الارهاب التي أحدثت بتاريخ 26/07/2012 بموجب القانون رقم 22.  

 

 

الشهادة:

اسمي معاذ عبد الرحمن من سكان مدينة حماه، من مواليد عام 1997، طالب مدرسة في المرحلة الثانوية –الصف العاشر.

في يوم الثلاثاء الموافق 02/04/2013 كنت مع صديق لي في سوق المدينة تحديداً (طلعة الدباغة)، فجأة مرت بجانبي سيارة مليئة بعناصر أمنية متجهة من حاجز قيادة الموقع الى حاجز الحزب القديم، فأصبت بالتوتر وقمت بتغيير طريقي صعوداً معاكساً اتجاه السيارة، فانتبه العناصر أني غيرت طريقي عند مرورهم وما هي الا ثوان قليلة حتى أمسكني من كتفي عنصر أمن وأمسك صديقي أيضاً وبدء بضربنا مع العناصر الأخرى التي انتشرت حولنا واقتادونا بسيارتهم الى حاجز الحزب القديم.

 عند وصولنا الى الحاجز قاموا بأخذ هوياتنا وهنا اكتشفت أني لي اسما لديهم في قائمة المطلوبين، كما أن والدي أيضا له اسم في نفس القائمة. على اثرها تم اخلاء سبيل صديقي بعد تعرضه للضرب المبرح، وتم نقلي من الحاجز الى فرع الأمن العسكري في مدينة حماه.

* فرع الأمن العسكري في محافظة حماه

وصلت الى الفرع وأثناء إجراءات أخذ الأمانات تمت سرقة مبلغ 4500 ليرة سورية مني، حيث أني سلمتهم الاموال التي كانت بحوزتي وهي 4530، بعدها أخبرني موظف الأمانات أني قمت بتسليمهم مبلغ 30 ليرة سورية فقط.

تم اقتيادي بعدها الى زنزانة منفردة طولها متران وعرضها متر يوجد فيها 4 معتقلين وأنا الخامس، كنا نضطر الى اغلاق فتحة المرحاض الموجودة داخل الزنزانة لكي ننام فوقها بسبب ضيق المكان الشديد.

في أول يوم لوصولي للفرع استدعيت مساء الى جلسة التحقيق الأولى. وتم تعذيبي بطريقة الدولاب وأضرب بعصا خشبية غليظة على كافة أنحاء جسمي، وجه لي المحقق تهمة حمل السلاح وضربت لمدة ما يقرب الثلاث ساعات كي أعترف بهذه التهمة الموجهة لي. لكنني لم أعترف، حيث أني لم أحمل سلاحا أبداً.
تناوب على ضربي سجانين اثنين وكان المحقق يقوم بتوجيه الأسئلة، يدعي السجان الأول (الأشقر) والثاني (الطويل) والمحقق لقبه (أبو النار) وهو من أشرس المحققين الموجودين في الفرع.

في اليوم التالي تم استدعائي لجلسة التحقيق الثانية، استخدموا بتعذيبي طريقة (الشبح) حيث قيدت يداي الى الخلف بسلسلة معدنية معلقة الى السقف وتم رفعها بحيث لا أكاد أقف إلا على أطراف أصابعي، جردت من ملابسي ماعدا الثياب الداخلية وتم ضربي بعصا خشبية قطرها 5 سم تقريبا لمدة ثلاث ساعات، مترافقا مع سكب الماء البارد علي وكان الجو بارداً.

طلب مني في جلسة التحقيق الثانية أن اعترف بأني مسلح وأن أعترف عن قائد الكتيبة التي أعمل بها. طبعاً لم أعترف بأي من تلك التهم، واكتفيت بالإعتراف بمشاركتي بمظاهرتين سلميتين ضد النظام.

بعد الجلسة الثانية من التحقيق تم تركي في نفس الزنزانة  لمدة 14 يوما من دون استدعائي مرة أخرى، أصابتني خلالها حكة جلدية شديدة وبدأ جسمي بالإحمرار خصوصا في مناطق الإبط والركب، وبدأت تتكون في جلدي دمامل بسبب قذارة المكان والضرب الشديد الذي تعرضت له.

طلبت من السجان أن يعطيني دواء للحساسية فرفض وضربني بيده على وجهي واستهزأ بي قائلا (وهل تعتقد أنك في فندق؟!)

استدعيت للتحقيق مرة ثالثة بتاريخ 16-04-2013 وكانت عناصر الفرع قد داهمت منزلي وأحضرت كمبيوتري الشخصي الذي كنت أعمل عليه. وهنا بدأت سلسلة الإعترافات....

واجهوني بمقاطع الفيديو التي كنت قد صورتها أثناء المظاهرات وأثناء مرور الآليات العسكرية في الشوارع، وبعض المناشير التي كنت أوزعها ضد النظام وصور البخ على الجدران.
فاعترفت بالتواصل مع القنوات (المغرضة) كالجزيرة والعربية وسوريا الشعب وسوريا الغد، وتصوير قوات الجيش، والبخ على الجدران, تصوير المظاهرات وتوزيع المناشير.

خلال التحقيق في الجلسة الثالثة تم ضربي بكبل قطره 4سم تقريبا وهو عبارة عن خيوط غليظة مجدولة حول بعضها البعض. وكانت أطراف هذا الكبل تقتطع أجزاء من اللحم.

تم ضربي بشدة لا توصف حتى أن الكرسي الذي كنت أجلس عليه انكسر من شدة الضرب، ناهيك عن الشتائم التي لا تعد ولا تحصى والإعتداء على المقدسات والشرف.

استدعيت بعد هذه الجلسة الثالثة، 13 مرة للتحقيق، تم التحقيق معي فيها بجلسة واحدة فقط والمرات الأخرى كانت بهدف التسلية حيث اكتفوا بتعذيبي و لم يتم توجيه اي سؤال لي.

احدى العقوبات التي كان يمارسها السجانون هي أن يتم اخراجنا من الزنزانة مع تغطية العينين وتكبيل اليدين الى الخلف والوقوف لمدة 5 ساعات في ساحة الفرع بثيابنا الداخلية مع سكب الماء البارد علينا وضربنا وأذكر في أحد المرات أن مفاصل جسمي تورمت بشكل كبير بسبب الضرب الشديد الذي كنت أتعرض له.

بعد مرور شهر وأربعة أيام في فرع الأمن العسكري تم نقلي الى الشرطة العسكرية في محافظة حماه (حي جنوب الملعب)، كأول محطة ايداع لي، حيث علمت لاحقاً أن فرع الأمن العسكري في محافظة دمشق (215) قد قام بطلب نقلي اليه.

تعرضت للضرب الشديد أثناء نقلي من فرع الأمن العسكري الى مقر الشرطة العسكرية في محافظة حماه، ومكثت هناك لمدة أربعة أيام لم أتعرض خلالها للضرب.

تم نقلي في اليوم الرابع الى محافظة حمص بسيارة نقل زراعية لها أسوار مرتفعة ذلك أن العناصر الأمنية تتنقل بسيارات مدنية خوفا من أن يهاجمهم أفراد الجيش الحر.

وصلت الى فرع البالونة (الشرطة العسكرية) في مدينة حمص وهو مكان يجمع به المعتقلون كمحطة ايداع قبل توزيعهم على الفروع المقصودة. مكثت في هذا الفرع لمدة 4 ساعات ولكنني أحسست انها 4 أشهر من شدة الضرب الذي تعرضت له. ضربت أكثر من ثلاثين مرة بكبل كهربائي أدى الى فتح شقوق في ظهري وسيلان الدم منه وكان معظم عناصر هذا الفرع من منطقة الجزيرة.

تم نقلي بعدها الى دمشق بسيارة براد مثلجات، وكان هذا مضحكاً حيث أنهم لا يملكون القدرة على نقلنا بسيارات الجيش أو الأمن ويستخدمون سيارة مثلجات.

* فرع  الشرطة العسكرية (البالونة) في محافظة حمص

 

المخابرات العسكرية الفرع 215 (سرية المداهمة):

* المخابرات العسكرية الفرع 215 (سرية المداهمة)

وصلت الى فرع ال (215)، وعند دخولي للفرع تفاجئت بكمية الأوساخ والروائح الكريهة الموجودة فيه وانتشار الأمراض بشكل كبير بين المعتقلين، دخلت الى زنزانة بطول 2.5 متر وعرض 2.5 متر يوجد فيها من 60 الى 70 شخص، وكان لي (بلاطة) واحدة من الزنزانة آكل وأنام جالساً فيها. مكثت هناك لمدة 20 يوما، استدعيت في اليوم السابع الى التحقيق وحاول المحقق أن يجبرني على الإعتراف أني عضو في جبهة النصرة، تم ضربي أيضا بعصا خشبية أكثر من 10 مرات، لكنني ثبتت على اعترافاتي القديمة في فرع الأمن العسكري في محافظة حماه.

عناصر السخرة (سجانون ومسجونون):

عهد عناصر فرع 215 - بسبب العدد الهائل من المعتقلين الموجودين فيه وانتشار الأمراض والروائح الكريهة بشكل كبير، الى المعتقلين القدامى في الفرع لتسيير أمور الزنازين ويطلق عليهم اسم (السخرة) , فيتولون تسجيل حالات الوفاة التي تتم داخل الفرع و نقل جثث من استشهد تحت التعذيب أو بسبب المرض أو (الفصل) وهي حالة تحدث مع المعتقلين الذين يتعرضون لتعذيب شديد مما يؤدي بهم الى حالة من الهذيان وانعدام الذاكرة والتركيز، ويبقون بهذه الحالة لمدة بضعة أيام حتى يموتوا، كان معدل الجثث الخارجة يوميا من فرع 215 15 الى 30 جثة يوميا.

في كثير من الأحيان كان عناصر السخرة يقومون بضرب المعتقلين وايذائهم بشكل كبير، حيث أن الاتفاق بين ادارة المعتقل وتلك الفئة من المعتقلين، هو حصولهم على مميزات داخل السجن. من ناحية مكان النوم الواسع نسبيا، ونوعية الطعام المقدمة لهم، فمن بعد باب المهجع الذي يحتوي الزنازين يتولى عناصر السخرة مسؤولية توزيع الطعام وتنظيم الخروج الى الحمامات، حيث كانوا يصطفون بصفين حولنا ونحن بطريقنا الى الحمامات ويقومون بضربنا ضربا شديدا مرتين أو ثلاثة كل يوم. وكان عناصر السجن من رتبة مساعد يقومون بجولة تفقدية كل يوم على المهاجع ولكن المسؤولية الفعلية عن ادرة الزنازين تلقى على عناصر (السخرة).

الضحية تحول الى مجرم:

في حالة شهدتها في في فرع 215، قام أحد المعتقلين السابقين من عناصر (السخرة) بالتعرف الى أحد المعتقلين الجدد من محافظة حمص واسمه الأول (مهند) وهو من نفس محافظة المذكور ويوجد بينهم عداوة قديمة، فماكان من عنصر السخرة بعد أن تعرف عليه الا ان توجه له حاملا عصا وبدأ بضربه ضربا عنيفا وشديدا. مما سبب له الدخول في حالة  (الفصل) واستمر مهند على تلك الحالة لمدة أربعة أيام ثم توفي.

كنا نخرج الى الحمامات مرتين يومياً، و اذا صدف ان أحداًّ اضطر لإستخدام الحمام بغير الأوقات المحددة كانوا يطلبون منه أن يقضي حاجته في ثيابه.

في أثناء خروجنا الى الحمام، كنا نمر بين صفين من عناصر السخرة الذين يقومون بضربنا ضربا شديدا (بالكرابيج) على ظهورنا عند ذهابنا وعودتنا بمعدل 4 مرات يوميا. كل هذا في سبيل حصولهم على طعام أفضل ومساحة نوم كافية!

الطعام في فرع 215:

كان الطعام عبارة عن ثلاث وجبات يوميا, الأولى في الساعة السابعة صباحا وهي عبارة عن ملعقة واحدة من اللبن ورغيف خبز واحد قديم، الوجبة الثانية لقمة واحدة من الرز المسلوق من دون ملح مع رغيف خبز قديم، والوجبة الثالة ربع حبة بطاطا مسلوقة مع رغيف قديم. والماء كان متوفرا للشرب بالكميات التي نريدها.

الشرطة العسكرية في حي القابون:

* فرع الشرطة العسكرية في حي القابون/محافظة دمشق

بعد مضي 20 يوما في فرع 215 تم تحويلي الى النيابة العامة بدمشق ثم تم تحويلي الى محكمة الارهاب بدمشق. فتم نقلي الى الشرطة العسكرية في القابون. كمحطة ايداع قبل نقلي الى سجن عدرا حيث سأنتظر محاكمتي أمام محكمة الارهاب. وبالفعل أمضيت يومين في الشرطة العسكرية وتم نقلي الى سجن عدرا، عند وصولي الى السجن رفض مسؤولوا السجن استقبالي بحكم أني لم أتم الثامنة عشر من عمري. فتم تحويلي الى النيابة العامة ثم الى القصر العدلي في دمشق فأعادوني مرة أخرى الى الشرطة العسكرية في القابون، لانتظر محاكمتي.

وفي خضم تلك التنقلات العديدة ضاعت اضبارتي في محكمة الارهاب فاضطررت الى الإنتظار لمدة شهرين ونصف في الشرطة العسكرية في القابون لحين عثورهم على الإضبارة.

 

في المدة التي قضيتها في سجن الشرطة العسكرية في القابون تعرضت لضرب يومي مبرح وتم نقلي الى عدة مهاجع وكانت الأمراض الجلدية منتشرة بكثرة وأيضا لم نكن نمنح أي دواء لعلاج الحكة والدمامل التي تظهر على الجسم.

 

عملية قتل أخرى:

أثناء وجودي في معتقل الشرطة العسكرية في القابون، شهدت عملية قتل تمت على يد رقيب أول، حيث كانوا ينادون على أسماء المعتقلين لتحويلهم الى المحاكمات، وأثناء خروج أحد المعتقلين الذين نادوا على اسمه، اصطدم كتفه بكتف الرقيب الاول بالخطأ وهو يخرج من الزنزانة، وكان هذا المعتقل برتبة مجند يخدم في قسم مكافحة الشغب في محافظة حلب، قضى في المعتقل ثمانية أشهر بتهمة (التفكير بالإنشقاق) .

بعد ان اصطدم كتفه بكتف الرقيب الأول ذهب الرقيب الأول واسمه أحمد من حي السكنتوري من محافظة اللاذقية بإحضار عصا غليظة وضرب المعتقل على رقبته من الخلف مما أدى الى شلله الكامل فورا. وبعد أن سقط على الأرض استمر الرقيب أول أحمد بضربه حتى تركه جثة هامدة.

بتاريخ 06-08-2013 تم العثور على اضبارتي في محكمة الارهاب بعد ان كانت ضائعة، وتم تحويلي الى المحكمة وعرضت على قاضي التحقيق الثامن، حيث أفرج عني لعدم ثبوت أي جرم بحقي.

خرجت من القصر العدلي بدمشق وتفاجئت بكم كبير من الناس يتجهون لي لسؤالي عن أقربائهم من المعتقلين. كانوا يروني صورا لأبنائهم ويسألون هل شاهدت هذا الشخص في الداخل، أو هل سمعت بإسم هذا الشخص وانت داخل السجن؟

قام أحد الأشخاص الطيبين بالسماح لي باستخدام هاتفه النقال للإتصال بأقاربي في مدينة دمشق حتى أتوا و أخذوني معهم الى منزلهم.

أجرى اللقاء مع المعتقل الزميل: أمير كزكز.

* بعض الصور التي توضح آثار التعذيب والحساسية الجلدية والدمامل التي أصابت الطفل معاذ عبد الرحمن في المعتقلات المختلفة

 



-------------------------------------------------------------------
لأية ملاحظات أو أسئلة يمكن التواصل معنا عبر بريدنا الالكتروني
editor@vdc-sy.info

للاطلاع على تقاريرنا السابقة باللغة العربية
http://www.vdc-sy.org/index.php/ar/reports

للاطلاع على تقاريرنا السابقة باللغة الإنكليزية
http://www.vdc-sy.info/index.php/en/reports/