تقرير خاص حول استخدام القنابل الحارقة
في محافظتي حلب ودرعا
"الموت حرقاً"
مركز توثيق الانتهاكات في سوريا
تشرين الأول / أكتوبر 2013
ملخص:
مركز توثيق الانتهاكات في سوريا يتحدث في هذا التقرير عن هجومين "بالأسلحة الحارقة" وقعا خلال أقل من شهر، حيث قام سلاح الجو التابع للنظام السوري بشنّ غارة جوية بتاريخ 26 آب 2013 على مدرسة في قرية أورم الكبرى في محافظة حلب الشمالية، وأسفر الهجوم يوم ذاك عن سقوط العشرات من التلاميذ الأطفال ما بين جريح وقتيل، وبعد عدة أيام قام طيران الميغ بقصف منزل لمدنيين في مدينة داعل في محافظة درعا الجنوبية، مما أدى إلى احتراق المنزل بشكل كامل واستشهاد جميع من كان بداخله باستثاء طفلة واحدة، كما وسقط آنذاك العديد من المصابين، وأظهرت التحقيقات التي قام بها مركز توثيق الانتهاكات في سوريا، أنّ قوات النظام السوري استخدمت الأسلحة الحارقة – المحرمة دولياً – في الهجومين، وبعد تحليل شهادات شهود العيان والمصابين والناجين إضافة إلى شهادات الأطباء، تبّين أنّ المادة الحارقة المستعملة في مدينة داعل هي "النابالم" أمّا في قرية أورم الكبرى فقد اختلفت الروايات في تحديد طبيعة تلك المادة الحارقة في البداية، ولكن معظم شهود العيان ومنهم الأطباء الذين قاموا بعلاج المصابين أكدّو على أنّها مادة النابالم الحارقة.
منهج التقرير: اعتمد التقرير في منهجيته على العديد من الشهادات؛ منها شهادات شهود العيان الذين تواجدوا أثناء عملية القصف، إضافة إلى شهادات المصابين – الناجين – من الهجوم، وشهادات مواطنين قاموا بعمليات اسعاف الجرحى والمصابين بالإضافة إلى شهادات الأطباء والممرضين، وراجع فريق العمل جميع الصور والفيدوهات التي قام بتصويرها عدد من المواطنين والنشطاء الإعلاميين الذين هرعوا إلى مكان الحادث بعد حدوث الهجوم مباشرة، إضافة إلى صورة للقذيفة نفسها، وحاول الفريق الإحاطة بأسباب الهجوم الحقيقية، حيث أنّ كلتا المنطقتين اللتين تمّ استهدافهما لم تكونا مسرحاً لعمليات قتالية، ولم يكن هنالك تواجد لأي من القوات العسكرية المناهضة للنظام فيها.
المقدمة:
كانت المنطقة التي تمّ استهدافها في مدينة داعل مأوى للمئات من النازحين من الأحياء الأخرى من داخل "مدينة داعل" وهي معروفة باسم الحي الشرقي، وكانت منطقة مدنية بامتياز، مما عززّ التوجه أن كلا الهجومين وقعا في إطار القتل العمد ضد السكان المدنيين وعلى مناطق مأهولة بالسكان في استمرار لمسلسل القصف اليومي الذي تتعرض له معظم المدن والمناطق السورية، ولكن هذه المرة باستخدام الأسلحة – الحارقة – المحرمة دوليا،ً والتي عدا عن كونها تسبب دماراً هائلاً في الأرواح والممتلكات، فإنها تسبب معاناة نفسية كبيرة للناجين الذين يكونون في معظم الحالات قد تعرضوا لحروق من طفيفة إلى بليغة تكون سبباً في تشوهات جلدية في مناطق مختلفة من الجسم، مما يولد مشاكل نفسية اجتماعية للمصاب ناتجة عن هذه الأذية الدائمة. ويشار إلى أن الهجومين المذكورين أعلاه جاءا بعد فترة وجيزة من مجزرة "كيماوي الغوطة" التي اقترفها جيش النظام السوري في 21 آب 2013.
أنواع المواد الحارقة التي تُستخدم كسلاح أثناء الحروب والنزاعات:
عرّفت الموسوعة العسكرية "الأسلحة الحارقة" بأنّها مركبات كيماوية لها تأثير حارق وتتوافر فيها شروط معينة للإستخدام العسكري؛ وكان من أهم تلك الشروط: أن تعطي كمية كبيرة من النيران وأن يصعب اطفائها وأن يكون لها قدرة كبيرة على الانتشار مع إعطاء درجة حرارة عالية جداً، وقد قسّمت الموسوعة هذه المواد الحارقة إلى عدة أقسام منها المواد الحارقة الصلبة والمواد الحارقة السائلة وأخيراً المواد الحراقة المختلطة، وأيضاً تمّ تقسيمها إلى عدة أنواع منها الفسفور الحارق الذي يشتعل بمجرد ملامسته للهواء مسبباً حريقاً ذو لهب شديد وحرارة شديدة، ويعبأ غالباً في القنابل اليدوية وذخائر المدفعية والهاون وقذائف الصورايخ – تمّ استخدام الفسفور الحارق عشرات المرات من قبل قوات النظام وخاصة في محافظتي ادلب وحمص وريف مشق ففي 28 نوفمبر/ تشرين الثاني قامت قوات النظام بقصف معرة النعمان في محافظة ادلب بهذه المواد، وفي 3 ديسمبر/ كانون الأول قصفت قوات النظام إحدى المدارس والمنازل المجاورة لها في مدينة القصير في حمص وجُرح يومها حوالي 20 مدنياً، كما واستخدمت قوات النظام هذه الأسلحة في مدينة داريا بريف دمشق في 16 نوفمبر / تشرين الثاني 2012 وتمّ ذلك القصف بواسطة قذائف "زاب" وذلك بحسب تقرير صادر عن منظمة هيومن راتس وتش العالمية حول استخدام الأسلحة الحارقة في سوريا - وبالإضافة إلى الفسفور الحارق هنالك عدة أنواع أخرى منها "النابالم الحارق" والذي يُعتبر من أخطر أنواع الأسلحة الحارقة وأكثرها انتشاراً واستخداماً، ويتصف باللزوجة الغير ثابتة، وتدخل مادة الكيروسين في تركيبته، والنابالم مادة تلتصق بالأجساد والأجسام الصلبة مهما كانت ملساء أو ناعمة وهو يؤدي إلى حدوث حروق وتشوهات قاسية ترافق المصاب الذي ينجو من الموت. يمكن استخدام النابالم بواسطة العديد من الأسلحة منها قنابل المدفعية والهاون والصواريخ التكتيكية وقنابل وقذائف الطائرات.
ونتيجة لآثارها الكارثية المدمرة فقد تمّ حظرها وتقييد استخدامها في برتوكول جنيف الثالث في 10 تشرين الأول للعام 1980 ، تحت بند الأسلحة التقليدية – البروتوكول الخاص بشأن حظر أو تقييد الأسلحة الحارقة. وقد عرّف البروتوكول "السلاح الحارق" أي سلاح أو أية ذخيرة، مصمم أو مصممة في المقام الأول لإشعال النار في الأشياء أو لتسبيب حروق للأشخاص بفعل اللهب أو الحرارة أو مزيج من اللهب والحرارة المتولدين عن تفاعل كيماوي لمادة تطلق على الهدف". وأكدّ البرتوكول في مادته الثانية، فقرة حماية المدنيين والأعيان المدنية؛ على أنّه يحظر في جميع الظروف جعل السكان المدنيين، أو المدنيين الفرادى، أو الأعيان المدنية محل هجوم بالأسلحة الحارقة، كما وحظر البروتوكول في جميع الظروف استهداف أي هدف ضمن تجمع المدنيين – حتى لوكان عسكرياً – بأسلحة حارقة تُطلق من الجو.
مشفى مدينة الأتارب 26-8-2013
أولاً: الهجوم الأول: 26 آب / أغسطس 2013 على قرية أورم الكبرى في محافظة حلب:
بتاريخ 26 آب 2013 وفي حوالي الساعة الثانية ظهراً قام طيران الميغ الحربي – التابع لسلاح جو النظام السوري – بقصف معهد "أقرأ" للتعليم، والكائن في قرية أورم الكبرى "الخاضعة لسيطرة الجيش السوري الحر منذ عدة أشهر" في ريف حلب، وكان المعهد يعجّ بعشرات الطلاب ممن يقومون بحضور دورات تقوية في المنهاج المدرسي للمرحلتين الإعداية والثانوية، إضافة إلى تواجد العديد من المعلمين وعدد من المواطنين الذين تصادف وجوهم في المعهد نفسه أو من أصحاب البيوت المجاورة للمعهد، وجاء توقيت الهجوم في الوقت الذي كان حضور الطلاب في أوجه، حيث كانت كافة الصفوف الدراسية ممتلئة بالطلاب، وبعد قوع الهجوم تمّ اسعاف جميع المصابين الذين بلغ عددهم أكثر من 70 مصاباً إلى مستشفيات المدن القريبة مثل "مشفى مدينة الأتارب" الذي استقبل عشرات الحالات المتوسطة والحرجة، حيث تمّ التعامل مع بعضها وتحويل الحالات الأخرى إلى المشافي التركية والمشافي الميدانية القريبة من الحدود السورية التركية والتي عادة تكون مجهزة بتجهيزات وكوادر طبية أكثر، على خلاف المستشفيات الموجودة في ريف حلب والتي تعاني في معظمها من نقص التجهيزات والأدوية أولاً ونقص في الكادر الطبي ثانياً.
تقع قرية أورم الكبرى في منطقة جبل سمعان، وفي الجنوب الغربي من حلب المدينة وتبعد عنها حوالي خمسة عشر كيلو متراً، ويبلغ عد سكانها حوالي أربعين ألف نسمة، إلاّ أن عشرات الآف نزحوا منها نتيجة الهجمات التي تقوم بها قوات النظام يومياً على مناطق ريف حلب - ومنها قرية أورم الكبرى - وهي قريبة من قرية أورم الصغرى والتي تبعد عنها بضعة كيلومترات إلى الجنوب، وتقع على الطريق الواصلة بين محافظي حلب وادلب.
وكما أسلفنا وبعد أن نفذت قوات النظام الهجوم تمّ اسعاف العشرات من المصابين إلى مشافي المدن الأخرى وكان من بين تلك المشافي "مشفى مدينة الأتارب" التي استقبل الكادر الطبي فيها عشرات الحالات وكان معظمهم من الأطفال، فقام مركز توثيق الانتهاكات بالاتصال مع أحد شهود االعيان الذي هُرع إلى المشفى بعد سماعه نبأ توافد العشرات من المصابين، وهو الناشط مصطفى حايد مدير منظمة دولتي الذي أفادنا بالتالي:
"في حوالي الساعة الثالثة ظهراً وأثناء تواجدي في مدينة الأتارب بتاريخ 26-8-2013 تورادت أنباء عن استخدام السلاح الكمياوي في أورم الكبرى، وأنّه تمّ جلب العشرات من المصابين إلى مشفى الأتارب، وعلى الفور توجهت إلى المشفى لاحاول توثيق الحالات، وعند وصولي رأيت سيارة "بيك آب" وكانت تحمل ثلاث جثث محروقة بالكامل، وأثناء عملية التصوير نادى أحد المواطنين بأنّ هذه الجثث تعود لنساء – ولكنني لم استطع التمييز بسبب شدة الحرق – وكان هنالك صهريج لماء لغسل كل من يدخل إلى المشفى ظناً منهم أنه تمّ استخدام الأسلحة الكيماوية، وبعد دخولي إلى المشفى الذي يتكون من ثلاثة طوابق تفاجأت بوجود العديد ممن الأطفال في الطابق الرابع من المبنى وكانت أعمارهم ما بين الأربعة عشر سنة والسبعة عشر سنة، وكانت أجسادهم قد تعرضت للحرق بنسبة 90 %، وكانت رائحة الشعر الآدمي المحروق تملأ المكان، وكان صراخهم مدوياً نتيجة للآلام الشديدة التي كانوا يعانون منها، وكانت أيديهم ثابتة لا تتحرك نتيجة للحروق التي أصابتهم، وعندها تأكدّت أنّه ليس هجوماً بالمواد الكيماوية، واقتربت من أحد الأطباء مستفسراً عن سبب تلك الحروق، فأجاب أنّها حروق من الدرجة الثانية والثالثة وأنّ المادة الحارقة المستخدمة هي النابالم، وهي ليست مادة الفسفور الحارقة، وأضاف مصطفى:
رأيت أكثر من 16 حالة من الأطفال الذكور، وكان هنالك العديد من المصابين الآخرين من الإناث والسيدات، ولكن لم نستطع تصويرهم حيث أنّه تمّ عزلهم في غرف خاصة، وعند سؤالي أحد المصابين عن حقيقة ما جرى قال لي: بأنّهم سمعوا صوت الطيران الحربي يحوم في سماء القرية، وكانوا في معهد القرية الوحيد، وعند سماع صوت الميغ، طلب منهم المعلمون مغادرة المعهد على الفور، وبالفعل تمّ إخلاءه من جميع الطلاب، إلاّ أنّه وبعد أن ابتعدت الطائرة قليلاً، عاد الجميع إلى مقاعدهم ليتفاجأوا بالنيران تلتهم أجسادهم واحداً تلو الآخر.
ويضيف مصطفى بأنّه سأل – أثناء تواجده في المستشفى - أحد الأساتذة المصابين عن طبيعة القصف، فرجّح الأستاذ أن تكون قذائف صاروخية رُميت عن طريق المظلات، حيث أكدّ الأستاذ أنّهم لم يسمعوا أي صوت في تلك اللحظات بتاتاً، وأضاف أنّهم حاولوا اطفاء الحرائق بواسطة الماء ولكن الحريق كان يزداد توهجاً عوضاً عن أن ينطفىء، وقد أفاد أحد الأطباء هنالك أنّ الحصيلة الأولية للوفيات تجاوزت ال 12 شهيداً، بالإضافة إلى عشرات الجرحى والمصابين، كان من بينهم 20 حالة حرجة جداً تمّت محاولة نقلهم إلى المشافي التركية.
وأضاف مصطفى عن وجود طبيبتين "من جنسيات غير سورية"في المستشفى وقد أكدتا له أنّ المادة الحارقة المستخدمة هي مادة النابالم وليس الفسفور الأبيض، حيث أن الحروق الناتجة عادة نتيجة الفسفور الأبيض تكون أكثر عمقاُ وتأثيراً على جسم الإنسان من حروق النبالم. انتهت الشهادة
وأيضاً قام مركز توثيق الانتهاكات في سوريا، بالاتصال مع أحد كوادر مشفى الأتارب، وهو الممرض عيسى عبيد، رئيس قسم التمريض في مشفى الأتارب، والذي أفادنا بالتالي:
بتاريخ 26-8-2013 توافدت عشرات الحالات لأناس مدنيين معظمهم من الأطفال إلى المشفى، كان من بينهم أكثر من عشرة جثث متفحمة، وأكثر من خمسين مصاباً، وعلى الفور قام كادر المشفى بتشخيص الحالات جميعها، وحيث أنّ المشفى غير مجهز وغير معدّ لاستقبال مثل هذا العدد من حالات الحرق، فقد تمّ إرسال العشرات من المصابين إلى المشافي التركية وخاصة من ذوي الاصابات الحرجة، إلا أن العديد منهم توفي على الحدود التركية السورية بسبب تأخر سيارات الإسعاف بالدخول إلى الأراضي التركية، وكان من بين الذي توفوا خمسة أطفال.
ويضيف عيسى: كانت جميع الحروق من الدرجة الثانية والثالثة، وكان هنالك العديد ممن احترقوا بشكل كامل وهؤلاء لقوا حتفهم على الفور، وبلغت الحصيلة الأولية للشهداء أكثر من عشرة شهداء، وكنا نقوم بغسل المصابين أولاً بالماء بعد أن قمنا بنزع ملابسهم، وتم غسل معظمهم "بالسيروم" وتمّ دهن الأماكن المحروقة بمرهم "فلوراسلين" وتمّ تعويض السوائل للبعض منهم عن طريق التسريب الوريدي، وتمّ إعطاء بعضهم الآخر بعض الأدوية المسكنة مثل "مورفين"، ونعتقد جازمين أنّ المادة التي تمّ استخدامها هي مادة النابالم الحارقة، وللأسف أنّ المشفى لم يكن مجهزاً لاستقبال هذا العدد الهائل من الحروق، حتى أنه كان هنالك نقص شديد بالمراهم الخاصة بالحروق، مما أدى إلى تفاقم أوضاع المصابين، حيث بلغ العدد النهائي للشهداء حوالي 40 شهيداً، معظمهم من الأطفال الذين لم تتجاوز أعمارهم السبعة عشر عاماً.
انتهت الشهادة
![]() |
![]() |
صور لأطفال وقد تعرضوا للحروق نتيجة القصف بالمواد الحارقة، المكان مستشفى الأتارب 26-8-2013
*قائمة بأسماء شهداء الهجوم والذين بلغ عددهم 38 شهيداً معظمهم من الأطفال حسب آخر إحصائية لمشفى مدينة الأتارب فقط:
ثانياً: الهجوم الثاني: مدينة داعل؛ محافظة درعا، 14 أيلول / سبتمبر 2013 :
تقع مدينة داعل إلى الشمال من درعا المدينة، على طريق دمشق – درعا القديم، وكان عدد سكانها قبل انطلاق الثورة السورية يبلغ حوالي 40 ألف نسمة. بتاريخ 14-9-2013 وتحديداً في تمام الساعة العاشرة و 55 دقيقة كان أحد المنازل هدفاً لطيران الميغ في الحي الشرقي لمدينة داعل، وهو أحد الأحياء المعروفة بعدم وجود أي تواجد عسكري فيه، بل العكس، فهو يُعتبر أحد الأحياء الكثيفة سكانياً، حيث يقطنه أغلب المدنيين النازحين من قرى وبلدات مجاورة، وأدى ذلك القصف إلى سقوط العديد من الشهداء والمصابين معظمهم من الأطفال والنساء، فقد تبين أنّ المنزل الذي تمّ استهدافه تقطنه عائلة كاملة، وعلى الفور انتشر خبر الهجوم على وسائل التواصل الإجتماعي، وتحدثت عن قصف جوي بواسطة مواد حارقة اختلف النشطاء في طبيعتها، منهم من قال أنها قنابل فسفورية حارقة ومنهم من قال أنّها نابالم حارق، وهذه ليست المرة الأولى التي تتعرض فيها المدينة للقصف بالمواد الحارقة، فقد قامت قوات النظام بتاريخ 8-5-2013 بقصفها ببرميل متفجر وحارق في الوقت نفسه أدى إلى سقوط العديد ما بين شهداء ومصابين.
صورة ملتقطة بواسطة الأقمار الاصطناعية تحدد الموقع الجغرافي لمدينة داعل في محافظة درعا الجنوبية.
قام مركز توثيق الانتهاكات في سوريا بالاتصال مع أحد نشطائه في مدينة داعل وهو "الناشط علاء الفقير"، والذي أجرى عدة لقاءات مع شهود العيان الذين قاموا بعميلة اسعاف المصابين، وأيضاً مقابلة مع أحد الناجين وهي الطفلة – الناجية الوحيدة - يُمنى مهند النصر التي فقدت عددا من أفراد عائلتها في الهجوم، وأيضاً قام بإجراء مقابلة مع الممرض معاذ العاسمي؛ رئيس اللجنة الطبية والإسعافية في مدينة داعل والذي أشرف على عمليات الإسعاف وعلاج المصابين بشكل مباشر، كما قام مركز توثيق الانتهاكات في سوريا بإجراء مقابلة – عبر السكايب - مع عمّ الأطفال الذين استشهدوا نتيجة القصف وهو المواطن "أبو عصام"، وقد أكدت جميع مقاطع الفيديو التي تمّ تصويرها من قبل النشطاء للمنزل الذي تعرّض للهجوم وأيضاً للضحايا الذين سقطوا في القصف بأنّه هجوم بمواد حارقة شديدة الحرارة، أطلقت بواسطة طيران ميغ، وكان عبارة عن صاروخ محمّل بمادة لزجة مشتعلة "النابالم" وقد أكدّت الصور وشهود العيان أنّه لم يحدث انفجار ضخم كما يحدث عادة في القصف على مناطق أخرى، بل أحدث صوتاً يشبه ارتطام الحديد بالحديد.
صور لأجزاء من الصاروخ الذي أطلقه طيران الميغ إضافة إلى الغطاء "عقب الصاروخ" الذي يبدو أنه لم ينفجر لسبب ما:
قال الشاهد الأول "أبو عصام" وهو عمّ للعائلة التي تمّ استهدافها داخل منزلها، أنّ الصاروخ كان محشواً بمادة "هلامية مثل الشحم" كما أخبره أحد الضباط المنشقين والذي تصادف وجوده أثناء الحادث، حيث أكدّ له الضابط أنّه نوع معدل من النابالم يشتعل بمجرد ملامسته للأوكسجين، وأكدّ – أبو عصام - أيضاً أنّه لم يسمع أي صوت للانفجار، وإنما سمع صوت ارتطام جسم حديدي بجسم حديدي آخر، وكان الصوت يشبه "الطنين" ثم ما لبثت أنّ اشتعلت النيران وتناثرت الحمم على المنازل المجاورة، وقال أبو عصام:
عند سماعي للصوت أثناء وقوفي خلف الباب، فجأة دفعني الضغط المندفع من الخارج مع الباب حوالي ثلاثة أمتار خارج المنزل، وسقطت إحدى الكتل الملتهبة على رأسي، فنهضت مرة أخرى وذهبت للخارج فرأيت المنزل الذي تمّ استهدافه وهو يحترق، وكانت درجة الحرارة عالية جداً، وكانت النار قد أتت على كل شي، وأذابت كل شي، حتى إطارات الشبابيك قد ذابت من شدة الحرارة، وبعد دخولنا إلى المنزل، وجدنا أربع جثث متفحمة بشكل كامل، وكانت هنالك طفلة تعرضت لحروق في أغلب أماكن جسمها، وأثناء عملية اسعافنا لاحظنا أن الحروق كانت تتسع شيئ فشيئاً مخلفة بقع كبيرة من الجلد الأحمر، واثناء عملية الاسعاف كنا نحاول اطفاء النيران بواسطة الماء ولكنها كانت تزداد بشكل أكبر ..
ويضيف أبو عصام:
بعد يومين من تاريخ الحادثة وجدنا غطاء "عقب" الصاروخ الذي كان من المفترض أن ينفجر وكان وزنه حوالي 130 كيلوغراماً وكان محشواً بمادة البارود وبرادة الألمنيوم، وكان يبدو واضحاً أن الصاعق لم ينفجر، وكانت سماكته حوالي 8 سم وقطره حوالي 40 سم:
وأضاف أحد الشهود الآخرين واسمه حمزة الشحادات - وهو من أهالي الحي الشرقي في مدينة داعل - واصفاً الحي نفسه بأنّه لا يوجد فيه تواجد لأي مسلح أو عناصر مسلحة من الجيش الحر أو من الكتائب المقاتلة الأخرى، ولا توجد أي مقرات عسكرية وهي منطقة لا يسكنها غير السكان المدنيين. وأضاف:
في حوالي الساعة الحادية عشر صباحاً سمعنا صوت طيران الميغ يحوم فوق المدينة، وفجأة اخترقت جدار الصوت، ومن ثمّ سمعنا صوت إطلاق للصاروخ ولكن دون أن نسمع صوت أي انفجار، وبعد ثوان قليلة شاهدنا أعمدة الدخان الأسود تتصاعد من أحد المنازل التي تبعد عن منزلنا حوالي 200 متر، فهرعنا على الفور إلى مكان الحادث فوجدنا المنزل ملتهباً بشكل كامل، وكانت المنازل المجاورة لها أيضاً متضررة بشكل كبير، وكانت هنالك فتاة مرمية على الأرض وكانت في عقدها الثالث تقريباً، وكان جسدها محترقاً بشكل كامل، وأثناء اسعافنا لها كانت تصرخ بشكل كبير من شدة الألم، وكانت أصابعنا تغور عميقة في اللحم المتفحم - عند محاولتنا حملها - نتيجة الحروق الكبيرة التي كانت قد أصيبت بها ، وكان الزبد يخرج من فمها بشكل غزيز جداً، وحتى أن أساور الذهب والسلسال الذي كانت ترتديه كان قد غار في الجلد بشكل ملحوظ.
للاطلاع على المقابلة المصورة بشكل كامل يرجى زيارة الرابط التالي:
http://www.youtube.com/watch?v=U6k4nfVMh0E
وكانت الناجية الوحيدة- الطفلة "يُمنى مهند النصر – 10 أعوام" والتي استطاعت الاحتماء في إحدى الغرف عقب الهجوم مباشرة، وقامت بسكب الماء على أقدامها التي احترقت بشكل كبير، إلى أنّ جاء الأهالي وقاموا باسعافها إلى أحد المشافي الميدانية، وقد أشرف على علاجها في ذلك المشفى أحد الكوادر الطبية وهو الممرض "معاذ العاسمي" والذي أكدّ أن الطفلة يُمنى كانت ملامحها غير واضحة أبداً نتيجة الحروق التي أتت على وجهها، بالإضافة إلى احتراق أكثر من 70% من سطح جسمها في ذلك الهجوم، وأكدّ أن الحروق جميعا من الدرجتين الأولى والثانية، وأمّا بالنسبة للشهداء الأربعة الذي وصلوا إلى المشفى الميداني فقد وصلت الحروق إلى درجة التفحم، وكانت هنالك حالة لزوجة خال الطفلة يمنى فارقت الحياة في الأردن نتيجة للحروق الكبيرة التي أصيبت بها، وكانت تبلغ من العمر 25 عاماً وكانت حامل في شهرها السادس واستشهدت مع جنينها بعد 12 ساعة من لحظة سقوط الصاروخ.
- أن الحروق كان سببها القصف بالنابالم الحارق، ذلك أن الحروق توسعت مساحتها بعد وضع المواد المعقمة والمطهرة السائلة، مع العلم أنّ طريقة التعامل مع هكذا نوع من الحروق يكون بحجب الأوكسجين عنها إضافة إلى وضع الضمادات الكتيمة "الغروانية" المخصصة للحروق، وتوسعت الحروق تحت الأنسجة الجلدية بعد اليوم الثاني للحادثة، وكانت الإصابات الأخطر في أسفل أقدام الطفلة، وتمّ تعويض السوائل لجسمها والتي خسرتها في الحادث، وهي غير قادرة على المشي نهائياً حيث أنّ الإصابات العميقة كانت بأسفل القدمين، كما وأشار الممرض "معاذ" بأن المرأة الحامل "زوجة خال الطفلة يمنى" وأثناء عملية اسعافها إلى الأردن بسيارة نقل زراعية مكشوفة، برفقة أحد الفنيين في التخدير والإنعاش، و خلال محاولات ابقائها على قيد الحياة عبر تسريب الأدوية عن طريق الأوردة مع وإعطائها الأوكسجين من خلال "الأمبـو باغ" عن طريق أنبوب "التنبيب الرغامي" وأثناء نقلها بدأ الدم يخرج من أنفها وهو بدرجة حرارة عالية جداً، لدرجة أن فقاعات الدم كانت شبيهة بفقاعات المياه الساخنة المعرضة لدرجة الغليان، إضافة إلى "تيبّس الأوعية الدموية" وخصوصاً الأوردة في الأطراف السفلية والعلوية – الصورة رقم 1 - ونشفان فيها وكأنها مادة شمعية متيبسة، إضافة إلى تحدد مفاصل الأطراف العلوية لجهة الداخل باتجاه الصدر بزاوية حوالي 110 درجة، مع العلم بأن الجنين بداخلها كان متوفي مباشرة بعد أن تم الإصغاء إلى نبضات قلبه بواسطة جهاز الإصغاء "دوبلر" بعد اسعافها للمشفى الميداني بداعل وقبل نقلها إلى الأردن.
|
|
صورة رقم – 2 |
صورة رقم – 1 |
خاتمة: قال أحد المستشارين القانونيين لمركز توثيق الانتهاكات في سوريا، حول الهجومين اللذان وقعا في أورم الكبرى ومدينة داعل ومتحدثاً عن الأسلحة المحرقة والنابالم بشكل خاص:
- النابالم والأسلحة المحرقة:
يندرج النابالم ضمن قائمة الأسلحة المسماة "بالأسلحة المحرقة". ويقدم البروتوكول الثالث الملحق باتفاقية حظر أو تقييد استعمال أسلحة تقليدية معينة يمكن اعتبارها مفرطة الضرر أو عشوائية الأثر (جنيف، 10 أكتوبر (1980 تعريفاً رسمياً للأسلحة المحرقة:
"أي سلاح أو أية ذخيرة، مصمم أو مصممة في المقام الأول لإشعال النار في الأشياء أو لتسبيب حروق للأشخاص بفعل اللهب أو الحرارة أو مزيج من اللهب والحرارة المتولدين عن تفاعل كيماوي لمادة تطلق على الهدف."[1]
ووفقا لتقرير للأمين العام للأمم المتحدة من عام 1972، الذي يتم الاستشهاد به على نطاق واسع، فإن الأسلحة المحرقة هي وسيلة قوية للدمار والتدمير. في الواقع، ووفقاً للتقرير ذاته، فإنه "فيما عدا الأسلحة النووية، وربما بعض الأسلحة البيولوجية والكيميائية المعينة، فلا توجد هناك أسلحة اخرى تحدث مثل هذه القوة التدميرية في أيدي القادة العسكريين."[2] وقد ثبت منذ الحرب العالمية الثانية أن "استخدام هذه الأسلحة ضد أهداف مدنية ذو عواقب وحشية وقاسية لكافة المجتمع". [3] كما أن آثاره مدمرة لدرجة انها "قابلة لأن يوظف استخدامها "كسلاح" دمار شامل".[4]
تعد الأسلحة المحرقة بحكم طبيعتها، وبغض النظر عن ظروف استخدامها "سواء في أرض المعركة أو في المناطق الحضرية، أو بغارات جوية أو بأسلحة اللهب" مفرطة الضرر وتسبب آلاماً لا داعي لها للأفراد على وجه الخصوص، بالإضافة إلى حالات الوفاة، من خلال الأضرار التي لا يمكن اصلاحها لجسم الإنسان والبيئة.[5] كما أن الآثار التي لا تميّز بين الأهداف هي احد السمات الأساسية الاخرى المتعلقة باستخدام هذه الأسلحة في الواقع. ووفقاً لنفس التقرير الذي أعده الأمين العام للأمم المتحدة: "إن الانتشار الواسع للحرائق عشوائي إلى حد كبير في آثاره. عندما يكون هناك اختلاف بين قابلية إطلاق النار على الأهداف العسكرية والمدنية، يكون ذلك عادة على حساب المدنيين. وينطبق الأمر نفسه على بعض التطبيقات التكتيكية للمواد المحرقة فيما يتعلق بقدرة هذه الأسلحة لضرب مساحة واسعة بشكل ملموس تتضمن غالبا أهدافاً عسكرية ومدنية قريبة من بعضها البعض."[6]
- إن استخدام النظام للنابالم في كل من أورم الكبرى وداعل يشكل انتهاكاً للقانون الإنساني الدولي:
على الرغم من أن الجمهورية العربية السورية ليست طرفا في البرتوكول الثالث لعام 1980 بشأن الأسلحة المحرقة، فقد كان الموقف الرسمي للجمهورية العربية السورية لصالح حظر استخدام النابالم في جميع الصراعات. ورداً على طلب الامين العام للأمم المتحدة التعليق على تقريره الصادر عام 1972، ادلى ممثل الجمهورية العربية السورية لدى الأمم المتحدة، بتاريخ 13 تموز 1973، بالبيان التالي:
"إن حكومة الجمهورية العربية السورية، إذ درست التقرير المتعلق بالنابالم وغيره من الأسلحة المحرقة وجميع النواحي المتعلقة باحتمال استعمالها رقم(آ/8803 ,مسرد.1) تؤيد كل الأحكام الواردة فيه وخاصة تلك المتعلقة بحظر جميع هذه الاسلحة."[7]
وعلاوة على ذلك، فقد صوتت الجمهورية العربية السورية لصالح قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة، رقم 2932 لعام 1972 الذي أقرت فيه تسعة وتسعين دولة بالطابع العشوائي للأسلحة الحارقة، وآثارها في التسبب في معاناة لا داعي لها، واستنكرت استخدامها في جميع النزاعات الدولية و غير الدولية.[8]
وبصورة أعم، وبغض النظر عن أي التزام بالمعاهدة المتعلقة بهذا الشأن، فإن استخدام النظام للنابالم في كل من أورم الكبرى وداعل هو انتهاك للقواعد العرفية الراسخة للقانون الدولي الإنساني المطبق على النزاعات المسلحة غير الدولية وذلك للأسباب التالية:
أ - أنه ينتهك مبدأ أساسياً من القانون الإنساني الدولي لايمكن خرقه، وهو تحديدا واجب التمييز في جميع الأوقات بين المدنيين والمقاتلين.
إن المبدأ الذي ينص على أن "يميّز أطراف النزاع في جميع الأوقات بين المدنيين والمقاتلين، وتوجه الهجمات إلى المقاتلين فحسب، لايجوز أن توجه إلى المدنيين"[9] هو عماد القانون الدولي الإنساني العرفي، وهو متضمن في المادة (3) المشتركة من اتفاقيات جنيف لعام (1949), وبالتالي فهو مبدأ مطبق في النزاعات المسلحة غير الدولية.
ويبين هذا التقرير بوضوح أن النظام السوري قد استهدف المباني المدنية والمدنيين. ففي أورم الكبرى كان الهدف مدرسة. وكانت جميع الوفيات والإصابات من المدنيين بما فيهم الأطفال. أما الهدف في داعل فكان حياً سكنياً لجأ اليه المدنيون. وكانت جميع الوفيات والإصابات- كما اوضحته الشهادات التي جمعت- من المدنيين الواجب حمايتهم بموجب القانون الدولي الإنساني.
ب - أنه يؤدي إلى إصابات مفرطة أو آلام لا ضرورة لها:
إن المبدأ التي يقضي بأنه "يحظر استخدام وسائل وأساليب القتال التي من طبيعتها أن تسبب إصابات مفرطة أو آلاما لا داع لها"[10] هو راسخ في القانون الدولي الإنساني العرفي. وقد عبرت عنه وأكدته ممارسة الدول المستمرة له. وقد تمت صياغة هذا المبدأ أولا في إعلان سانت بيطرسبرغ في عام 1868, والذي أعلن أن "استخدام الأسلحة التي تزيد دون فائدة من معاناة الرجال الذي أصبحوا غير قادرين على القتال، أو تجعل موتهم حتمياً أمر مبالغ فيه".
وعلاوة على ذلك/ تنص المادة 23 (ه) من الاتفاقية (الرابعة) من لوائح لاهاي لعام 1907 بأنه يمنع "استخدام أي أسلحة أو قذائف أو مواد بقصد التسبب بمعاناة لا داعي لها". وتكرر المبدأ العام ذاته في المادة 35 (2) من البروتوكول الأول لاتفاقيات جنيف لعام 1949 التي تنص على انه "يحظر استخدام الأسلحة والقذائف والمواد ووسائل القتال التي من شأنها إحداث إصابات أو آلام لا ضرورة لها". إن لائحة اللجنة الدولية للصليب الأحمر لقواعد القانون الدولي الإنساني العرفي تثبت على وجه اليقين أن هذا المبدأ ينطبق على كل من النزاعات المسلحة الدولية وغير الدولية.
وعلاوة على ذلك، وبموجب هذا الحظر القانوني الراسخ، فقد تم تعريف الأسلحة المحرقة في حد ذاتها بأنها الأسلحة التي ينتج عنها أضرار زائدة أو آلام لا ضرورة لها. كما أن لائحة اللجنة الدولية للصليب الأحمر لقواعد القانون الدولي الإنساني العرفي تؤكد بدرجة من اليقين على ان "حظر استخدام الأسلحة المحرقة ضد الأفراد"[11] هي القاعدة الواجبة التطبيق أساساً، وأن هذه الأسلحة لا تستخدم ضد المدنيين "والأعيان المدنية".[12] إن رسوخ هذه المبادئ تؤكده ممارسة الدول المستمرة لها. فالمادة 2 من البروتوكول الثالث بشأن حظر أو تقييد استعمال الأسلحة المحرقة المرفق باتفاقية حظر أو تقييد استعمال اسلحة تقليدية لعام 1980 تعلن أنه "يحظر في جميع الظروف جعل السكان المدنيين بصفتهم هذه، أو المدنيين فرادى، أو الأعيان المدنية، محل هجوم بالأسلحة المحرقة". وقد أكدت اللجنة الدولية للصليب الأحمر أن هذا المبدأ مطبق في النزاعات المسلحة غير الدولية.[13]
لقد أظهر هذا التقرير بوضوح أن الأهداف والظروف المحيطة باستخدام النابالم في أورم الكبرى وداعل جعل هاتين الحالتين تشكلان انتهاكات واضحة للقانون الإنساني الدولي العرفي. وكما ذكر آنفا، فإن الأهداف في كلا الموقعين كانت أماكن مدنية، وكانت الإصابات والوفيات جميعها من المدنيين بمن فيهم الأطفال. وكانت جميع الاصابات التي بُلغ عنها حروق من مختلف الدرجات، وكان أقلها حدة من شأنه أن يسبب اصابة دائمة.
- إن استخدام النظام للنابالم في أورم الكبرى وداعل هو جريمة حرب:
إن تنفيذ الهجمات العشوائية على المدنيين، والاستخدام العمدي للأسلحة المحرقة للتسبب بإصابات زائدة ومعاناة غير ضرورية تشكل، كل بحد ذاتها، انتهاكا جسيماً للقانون الإنساني الدولي،[14] وفقا للقانون الإنساني الدولي العرفي. وهذا بدوره يشكل جريمة حرب.[15]
- إن استخدام النظام للنابالم في أورم الكبرى وداعل هو جريمة ضد الإنسانية:
وعلاوة على ذلك، وبالنظر إلى أن هذه الهجمات هي جزء من النمط الذي اتبعته قوات النظام، عمداً وبشكل ممنهج، في استهداف المدنيين واللجوء إلى الهجمات العشوائية واستخدام الأسلحة التي تم تصميمها لتتسبب في معاناة لا داعي لها، فإن هذه الهجمات تشكل جريمة ضد الإنسانية كما تم تعريفها في المادة 7 من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.[16]
لقد أدى استخدام النابالم في أورم الكبرى وداعل إلى مقتل العديد من المدنيين بينهم أطفال وقد تم ذلك كجزء من هجوم منهجي موجه ضد السكان المدنيين مع علم بهذا الهجوم. كما أن الطريقة التي ارتكب فيها الهجوم في موقعين بعيدين، واحدة في الشمال من سوريا والأخرى في الجنوب، وفي فترات زمنية متقاربة، تشير بأنها جزء من هجوم تم تنظيمه بدقة تجعل من كونه حدثاً اعتباطياً، أمراً بعيد الاحتمال. ويبين التقرير أيضا بأن ذلك يتم في سياق نسق جرمي، يتضمن تكراراً غير عرضي لسلوك إجرامي بعينه بشكل اعتيادي. ويبدو بأن الهجمات تشير إلى أن هناك سياسة عامة من قبل النظام لاستخدام الأسلحة التقليدية ذات التأثير المماثل للأسلحة الكيميائية. وقد يكون مرد ذلك الضوابط الدولية التي يجري الآن وضعها على ترسانة الأسلحة الكيميائية للنظام. إن هذه السياسة المتبعة حديثاً تقوم باستخدام موارد عامة كبيرة للتمكن من نشر مخزونات النابالم والأسلحة المحرقة الأخرى في انحاء متفرقة من البلاد، وإطلاقها على وجه الخصوص في موقعين بعيدين في البلاد بشكل متزامن. إن ذلك يتفق مع السياسة العامة الشاملة للنظام منذ بداية الثورة، التي تعمد أولا إلى استخدام الأسلحة والأنظمة العسكرية الأخرى على نطاق محدود، لقياس رد فعل المجتمع الدولي على إمكانية استمرار استخدامها، ومن ثم في غياب أي ردود فعل مجدية، تقوم باعتماد مثل هذا الاستخدام على نطاق واسع. كان هذا هو الحال، على سبيل المثال، مع استخدام القصف الجوي. و يبدو أن الهدف السياسي للنظام في الرغبة في إبادة و/أو اخضاع المدن الثائرة بواسطة أسلحة الدمار الشامل يمكن أن يتحقق عن طريق استخدام النابالم كسلاح تقليدي ولكنه يمتلك نفس الفعالية التي تسبب معاناة دائمة لسكان مدنيين بأكملهم. إن هذا التحول في السياسة لا يمكن أن يتم دون تورط سلطات سياسية وعسكرية رفيعة المستوى داخل النظام. وبناء عليه فان استخدام النابالم وغيرها من الأسلحة الحارقة في كل من أورم الكبرى وداعل يمكن أن يرقى الى مستوى جريمة ضد الإنسانية.
إن مصيراً مماثلاً لذلك الذي لاقته الطفلة الناجية من النابالم، كيم فوك، التي ركضت على طول الطريق السريع رقم 1 في فييتنام بتاريخ 8 حزيران/يونيو 1972 يلاقيه الآن، للأسف، عشرات الأطفال في أورم الكبرى وداعل في سوريا، الذي ضربهم النابالم وأدى الى وفاة العديد منهم. تزيد المخاوف بأن يصبح استخدام النظام للنابالم في سوريا أمراً عادياً وذلك ان لم يتحرك المجتمع الدولي بسرعة للسعي لفرض احترام قاعدة انسانيةٍ أساسية راسخة منذ أكثر من مئة وخمسين عاما تحظر استخدام الأسلحة التي تسبب معاناة غير ضرورية مثل النابالم.
للاطلاع على المقابلة المصورة كاملة للطفلة يمنى والممرض الذي أشرف على عملية العلاج يرجى زيارة الرابط التالي:
http://www.youtube.com/watch?v=Ae_-dEoCPZo&feature=youtu.be
أسماء بعض الشهداء الذين سقطوا نتيجة الهجوم بالقنابل الحارقة على مدينة داعل في محافظة درعا:
1 – الشهيد الطفل علاء مهند النصر - عامان:
2 – الشهيدة الطفلة يمامة مهند النصر، 8 سنوات، صورة للشهيدة يمامة قبل استهشادها:
صورة للشهيدة الطفلة يمامة 8 أعوام بعد استشهادها
* صورة الناجية الوحيدة الطفلة: يُمنى مهند النصر 10 سنوات:
[1] على الرغم من أن الجمهورية العربية السورية ليست منضمة لهذه الاتفاقية، إلا أن هناك مائة وسبعة دول قد وقعت وصدقت على الاتفاقية، وهي تقبل بتعريف الأسلحة المحرقة الوارد في المادة (1) من البرتوكول الثالث.
[2] الأمم المتحدة، تقرير الأمين العام، 1973، النابالم وغيره من الأسلحة المحرقة وجميع النواحي المتعلقة باحتمال استعمالها، (وثيقة الأمم المتحدة رقم (A/8803/Rev.1))، الأمم المتحدة، نيويورك، ص. 50، النبذة 176 (التسطير مضاف).
[3] المرجع السابق، ص. 51، نبذة 177.
[4] نفس النبذة.
[5] المرجع السابق، ص. 55، نبذة 189.
[6] المرجع السابق، ص. 54، نبذة 187.
[7] الأمم المتحدة، تقرير الأمين العام، 1973، النابالم وغيره من الأسلحة المحرقة وجميع النواحي المتعلقة باحتمال استعمالها، (وثيقة الأمم المتحدة رقم (A/9207)، تاريخ 11/10/1973)، الأمم المتحدة، نيويورك، ص. 23، (التسطير مضاف).
[8] القرار رقم 2932 (الدورة 27)، قرار الجمعية العامة، النزاع الكامل والشامل للأسلحة، (أ)، 29/11/1972.
[9] اللجنة الدولية للصليب الأحمر، القانون الدولي الإنساني العرفي، ج.م. هانكرتس، ولويز دازول بيك، منشورات كامبريدج الجامعية، كامبرديج، ص. 3، 2005، القاعدة رقم (1).
[10] المرجع السابق، ص. 237، القاعدة (70).
[11] المرجع السابق، القاعدة (85).
[12] المرجع السابق، القاعدة (84).
[13] المرجع السابق، ص. 289.
[14] المرجع السابق، ص. 599.
[15] المرجع السابق، ص. 568، القاعدة 156
[16] معاهدة روما المتضمنة النظام الأساسي لمحكمة الجنايات الدولية، التي دخلت حيز النفاذ في 2/7/2002، مدونة معاهدات الأمم المتحدة، 2187، ص. 93-94.
-------------------------------------------------------------------
لأية ملاحظات أو أسئلة يمكن التواصل معنا عبر بريدنا الالكتروني
editor@vdc-sy.info
للاطلاع على تقاريرنا السابقة باللغة العربية
http://www.vdc-sy.org/index.php/ar/reports
للاطلاع على تقاريرنا السابقة باللغة الإنكليزية
http://www.vdc-sy.info/index.php/en/reports/