محكمة الإرهاب في سوريا – أداة تنفيذ جرائم حرب !
بيان صحفي.
نيسان 2015
قال مركز توثيق الانتهاكات في سوريا في أحدث تقرير أصدره اليوم أنّ الأجهزة الأمنية التابعة للحكومة السورية قامت بتحويل أكثر من ثمانين ألف مواطن سوري – نسبتهم الساحقة من المدنيين – إلى محكمة مكافحة الإرهاب التي أنشأت بموجب مرسوم جمهوري في تموز من العام 2012، وأكدّ المركز أن عدد المحولين في أحد الأشهر خلال العام 2014 بلغ أكثر من 2400 معتقلاً كان قد تمّ اعتقالهم تعسفياً من قبل الأجهزة الأمنية المختلفة.
وكانت الحكومة السورية قد أعلنت في 21 نيسان من العام 2012 عن إنهاء حالة الطوارئ المفروضة على البلاد منذ العام 1962 وذلك بموجوب المرسوم التشريعي رقم (161)، تبعه مرسوم آخر نص على إلغاء محكمة أمن الدولة العليا. وفي أوائل تموز 2012 صدر القانون رقم (19) الخاص بمكافحة الإرهاب والذي تضمن في مواده تعاريف بالعمل "الإرهابي" و"المنظمة الإرهابية" وتمويل الإرهاب وعقوبات القيام بالعمل الإرهابي أو الترويج للأعمال الإرهابية. وقد أجمع الحقوقيون ومعظم المحامين الذين قابلهم مركز توثيق الانتهاكات في سوريا على أنّ قانون مكافحة الإرهاب ومحكمة مكافحة الإرهاب ما هما إلاّ وجهان آخران لقانون "إعلان حالة الطوارئ" ومحكمة "أمن الدولة العليا" ، لتأتي محكمة مكافحة الإرهاب وتوسع دائرة "الخطرين" على أمن الدولة لتشمل فئات أكثر بكثير من ضمن المجتمع السوري وخاصة نشطاء الثورة السورية السلميين وعشرات الآلاف من المتظاهرين إضافة إلى مئات الناشطات السلميات وحتى مئات الأطفال ممن تم اعتقالهم على خلفيات الأنشطة الثورية ومثلوا أمام محكمة الإرهاب.
وأكدّ المركز في تقريره الذي جاء في (41) صفحة أنّ آلاف المعتقلين تعسفاً تمّ تحويلهم أمام محكمة الميدان العسكرية أيضاً – معظمهم من المدنيين – حيث تمّ الحكم عليهم بأحكام قاسية وصل أكثر من ثمانين حكماً منهم إلى الإعدام، هذا عدا عن تسجيل العشرات من حالات الضرب والتعذيب الشديدين لمعتقلين مثلوا أمام "القاضي" وقد أدمت أجسادهم ووجوهم من شدّة الضرب والمعاملة السيئة على يد العناصر الأمنية قبل مثولهم أمام المحكمة.
في 22 شباط من العام 2014 أصدر مجلس الأمن الدولي القرار رقم (2139) والذي أدان فيه بشدّة حالات الاعتقال التعسفي للمدنيين في سوريا ولا سيما في السجون ومراكز الاحتجاز، وأدان جميع حالات الخطف والاختفاء القسري. وطالب المجلس في نفس الوقت التوقف عن هذه الممارسات فوراً والإفراج عن جميع المعتقلين تعسفاً بدءاً من النساء والأطفال وكذلك المرضى والجرحى وكبار السن وموظفي الأمم المتحدة والعاملين في المنظمات الإنسانية والصحفيين.
وأكدّ التقرير الذي استند إلى العديد من الشهادات أن قضاة المحكمة يعتمدون في إصدارهم للأحكام على التهم الأمنية الواردة في إضبارة المعتقل عقب تحويله من أحد أفرع أجهزة المخابرات السورية، وقد ذكر أكثر من عشر معتقلين سابقين ممن قابلهم مركز توثيق الانتهاكات في سوريا بهذا الصدد أنّهم إمّا تعرضوا للضغط والإكراه أثناء عمليات التحقيق في الأفرع الأمنية أو تعرضوا للتعذيب الشديد لإجبارهم على الاعتراف بحيازة الأسلحة أو المشاركة في العمليات العسكرية رغم أنّ جميع نشاطاتهم كانت سلمية بشكل كامل. وبالرغم من أنّ العديد من المعتقلين المحالين لمحكمة الإرهاب أكدّوا لقضاة التحقيق أنّ تلك الاعترافات انتزعت منهم تحت الضغط والإكراه والتعذيب إلاّ أنّ القضاة لم يلتفتوا إلى أقوالهم وما فتئوا يصدرون الأحكام استناداً إلى الاعترافات المنتزعة منهم تحت التعذيب.
ونوه التقرير على أنّ الوصف الذي تعطيه الحكومة السورية لهذه الممارسات ليس له أية قيمة عند تقدير مدى قانونيتها وفق منظور القانون الدولي الإنساني. وبشكل خاص، فإن التسميات الرسمية التي تطلقها الحكومة السورية على ما تقوم بإصداره من قرارات، كاستعمال كلمة "قانون" أو "مرسوم تشريعي" ليس لها أثر- بالنسبة لهذا التقرير- في إضفاء طابع القانونية على الممارسات اللاحقة التي تجري استناداً إليها من وجهة نظر القانون الدولي الإنساني. وكذلك، فإنه لئن كان من الممكن تبرير كل ما يصدر رسمياً من قوانين ومراسيم وكذلك المحاكمات اللاحقة المستندة إليها ضمن الإطار القانوني والدستوري الذي تديره السلطات ، فإن هذا ليس له أية قيمة في تقدير مدى قانونية تلك الممارسات من وجهة نظر القانون الدولي الانساني المطبق. إن كل ما يصدر من قوانين ومراسيم، والممارسات اللاحقة التي تتم استناداً إليها، ما هي إلى تدابير متخذة من قبل طرف في نزاع مسلح غير دولي، وهي تخضع للتقييم وفق أحكام القانون الدولي الإنساني، ولاسيما المادة 3 المشتركة لاتفاقيات جنيف الأربع، حيث أنها تجري منذ عام 2012، في الوقت الذي اعتبرت فيه اللجنة الدولية للصليب الأحمر والدول والمنظمات المعنية بأن الوضع في سوريا هو نزاع مسلح غير ذي طابع دولي. وقد خلص التقرير استناداً إلى القانون الدولي الإنساني العرفي أنّ إصدار الأحكام وتنفيذ الإعدامات بدون حكم صادر عن محكمة مشكلة تشكيلاً قانونياً تكفل جميع الضمانات القضائية يعتبر انتهاكاً جسيماً للقانون الدولي الإنساني. ويشكل ذلك جريمة حرب، يسأل عنها فردياً القاضي وأعضاء النيابة العامة المتورطين في هذه الممارسات.
وأكدّ أيضاً بأن الحرمان من الحرية الذي يمارس على المدنيين في سياق محاكمات قائمة أمام محكمة الإرهاب أو المحاكم الميدانية، والحكم عليهم لاحقاً بعقوبات السجن أو الإعدام، من قبل هاتين المحكمتين، يمكن أن يشكل جرائم ضد الإنسانية. حيث أنّه يجري ارتكاب هذه الأفعال ضمن سياسة ممنهجة تستخدم هاتين المحكمتين لتسهيل وتبرير ارتكاب أفعال فردية كالقتل والسجن التعسفي على المئات من المدنيين في سياق الهجمات الواسعة النطاق ضد العديد من السكان المدنيين في الكثير من المدن السورية. وبناء عليه فإن هذه الأفعال يمكن أن ترتب مسؤولية فردية لفاعليها في ارتكاب جريمة ضد الإنسانية.
مركز توثيق الانتهاكات في سوريا
نيسان 2015
-------------------------------------------------------------------
لأية ملاحظات أو أسئلة يمكن التواصل معنا عبر بريدنا الالكتروني
editor@vdc-sy.info
للاطلاع على تقاريرنا السابقة باللغة العربية
http://www.vdc-sy.org/index.php/ar/reports
للاطلاع على تقاريرنا السابقة باللغة الإنكليزية
http://www.vdc-sy.info/index.php/en/reports/